منذ سنوات بدأت وزارة التربية والتعليم بحجب مجموعة من التطبيقات أثناء امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، وذلك منعًا للغش حسب قولها.

لا أحد يشكك بنيّة الوزارة الحسنة، ولكن حتى النية الحسنة قد تسبب أضرارًا للمواطنين، ففي كل عام أثناء فترة الامتحانات تتزايد الشكاوى من أهالي الأحياء المجاورة للمدارس عن توقف الإنترنت عندهم، أو عدم قدرتهم على استخدام تطبيقات ما، خاصة في السنين الأولى بعد صدور هذا القرار.

هناك قول بأن هذا الإجراء لا يؤثر كثيرًا على المواطنين، بسبب الساعات المحدودة للامتحانات وحصر الحجب في مناطق جغرافية معينة، ولكن لا يمكن لهذا القول أن يبرر القرار، إذ أنه يعترف بوقوع الضرر، وأما أن تتحول هذه القضية إلى قياس مدى الضرر الواقع وتحديد فيما إذا كان الضرر صغيرًا أو كبيًرا، فهو إزاحة لتعريف الخطأ وفيه مغالطة تحريك المرمى. هذا الضرر الواقع على المواطنين -مهما قَل- يمكن أن يُزال، ويجب أن يزال.

هناك مشكلة أكبر تتعلق بقانونية القرار. في تصريحات جديدة، أكّدت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات -وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ مثل هذه القرارات من قبل شركات الاتصالات- أنها تصدر قرارات الحجب ليس فقط عن طريق قرارات قضائية، بل تنفيذًا لقرارات "إدارية" أيضًا. هذه التصريحات غريبة لأنها اعتراف ضمني أن قرارات الحجب قد تُصدر خارج نطاق القضاء، وهي تصريحات تخالف ما أكّده وزير الاتصالات السابق في مقابلة تلفزيونية على قناة رؤيا في شهر كانون الأول عام ٢٠١٨، بأن القضاء وحده هو صاحب الولاية في إصدار أوامر الحجب.

على أرض الواقع، قد تصدر أوامر حجب بناء على أوامر إدارية فعلًا، ولكن لا يجوز ذلك إلا بحكم القانون. ففي الأردن هناك استثناء واحد يسمح بذلك، استثناء خلقته التعديلات الأخيرة لقانون المطبوعات والنشر عام ٢٠١٢، إذ سمح القانون لمدير هيئة الإعلام بحجب المواقع الإلكترونية الإخبارية غير المرخّصة، وكانت من بين الانتقادات الأكثر صدىً على القانون كيف يُسمح لجهة إدارية -وليس لقاضٍ أو لقرار محكمة- أن تحجب جزءًا من الإنترنت!

إنّ أي قرار إداري يُصدر لا بد أن يتوافق مع القانون. وهذا جوهر مفهوم دولة القانون، فالإدارات والمؤسسات الحكومية لا تعمل إلا ضمن حدود القانون، والقانون هو الضامن لكي لا تتغول الإدارة العامة على حقوق المواطنين وحرياتهم. ولكن، ما النص القانوني الذي استندت عليه وزارة التربية والتعليم على حجب الإنترنت أثناء التوجيهي؟ ما هي المادة التي تنص على صلاحية الوزارة في حجب واتساب وانستغرام؟

قانون الاتصالات هو ما يحدّد مهام هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، ولا يمكن أن تعمل الهيئة بعيدًا عن المهام الموكولة إليها والمحصورة في القانون. من مهامها حماية مصالح المستفيدين، أي مستخدمي الإنترنت. فإذا وقع ضرر على أي مستخدم من قبل شركات الاتصالات، كتوقيف عمل تطبيقات لمشتركين دفعوا من أجل خدمة الإنترنت، على الهيئة أن تتدخل وتضمن رفع الضرر وعليها أن تُلزم شركات الاتصالات على إرجاع الخدمة، وليس العكس والذي يحدث على أرض الواقع، أن تُلزم الهيئة بنفسها توقيف تطبيقات يستخدمها وربما يحتاجها مشتركون قد دفعوا من أجل استخدامها.

فالسؤال الذي يُطرح كثيًرا هو كيف يمكن أن نمنع الغش دون حجب الإنترنت؟ سؤال يتناسى أن جميع دول العالم تُجرِي امتحانات على المستوى الوطني مثل امتحانات التوجيهي، وأن جميع دول العالم المتقدمة لا تحجب الإنترنت ولا التطبيقات أثناء الامتحانات. أما الدول التي تحجب الإنترنت في فترة الامتحانات فهي قليلة، وهي دول لا تتسم باحترام الإنترنت كحق من حقوق مواطنيها.

فإما أن نفترض أن جميع الامتحانات في العالم المتقدم مغشوشة، وإما أن نقتنع أنه لا بد من إجراءات عملية من قبل وزارة التربية والتعليم لمنع الغش بمنأى عن التلاعب بالإنترنت.

هنا بيت القصيد، علينا أن نحترم الإنترنت بصفته حق من حقوق المواطن الأردني، وهو بمثابة مَرفق عام لا يمكن أن تعطّله الوزارات والهيئات إلا في أضيق الحالات الاستثنائية، ومع تبرير وافٍ ونصوص صريحة، وإن لم يحدث ذلك فسنبقى نعطل الإنترنت ونحجبه حتى لأبسط الأمور، لامتحانات مدرسية اليوم مثلًا، ولما هو أبسط من ذلك غدًا.