خريطة الشارع المفتوحة (OpenStreetMap) مبادرة غير ربحية تهدف ﻹتاحة بيانات جغرافية دقيقة مفتوحة المصدر تحت ترخيص حر، فيمكن لأي شخص أن يستخدمها كيفما شاء كما يمكنه أن يحذف أو أن يضيف أو أن يعدل البيانات الجغرافية من شوارع ومبانٍ وغيرها. يمكن تشبيه خريطة الشارع المفتوحة بـ ويكيبيديا البيانات الجغرافية، إذ تعتمد خريطة الشارع المفتوحة على المساهمات المجتمعية، بل يمكن اعتبارها من أنجح المبادرات غير الربحية المعتمدة على مساهمات المجتمع. وهي ليست مجرد خريطة للتنقل، بل تحتوي على بيانات مفصّلة تجعل من الممكن استخدامها على سبيل المثال كوسيلة لمعرفة طرق المواصلات العامة أو الطرق الخاصة بالدراجات الهوائية أو الأماكن المهيئة للكراسي المتحركة، أو حتى للمشي الجبلي.

تُعد خريطة الشارع المفتوحة مثالًا حيًّا على قوة المساهمات المجتمعية. كل ما تحتاج إليه هو اتصال بالإنترنت لكي تبدأ برسم خريطة منطقتك التي تعرفها جيدًا، أو شوارع بلدتك التي تمر بها كل يوم. كل مساهم لديه أسبابه للمساهمة في خريطة الشارع المفتوحة، سواء أن كانوا متطوعين لخدمة المجتمع، أو حتى شركات تعتمد على خريطة الشارع المفتوحة وتساهم فيها لتحسين خدماتها.

تظهر قوة المساهمات المجتمعية أكثر عندما تحدث تغييرات جغرافية كبيرة في وقت قليل كما في حالة الكوارث الطبيعية أو المشاريع المتعلقة بإنشاء شوارع جديدة وما إلى ذلك، نجد أنّ هذه التغييرات قد أُضيفت لخريطة الشارع المفتوحة بشكل أسرع وقبل باقي الخرائط. مثل ما حدث وقت زلزال هايتي عام ٢٠١٠، عندما رسم متطوعو خريطة الشارع المفتوحة خريطة كاملة لمدينة بورت أو برانس بعد الزلزال، وذلك لمساعدة فرق الإغاثة، وانتهوا منها في غضون يومين لتصبح بذلك أكمل خريطة رقمية لهايتي. أو محليًّا عندما افتُتح تقاطع الثورة العربية الكبرى مساء يوم⁧ ١/‏٦/‏٢٠١٦⁧، أُضيف لخريطة الشارع المفتوحة يوم ٢/‏٦/‏٢٠١٦ أي في غضون يوم واحد.

قد تتساءل: لم قد نساهم في مثل هذا المشروع بينما هناك البديل المألوف: خرائط غوغل؟ فهي مجانية، ويمكنك أيضًا المساهمة فيها، أليس كذلك؟

قد تكون خرائط غوغل متاحة بشكلٍ مجانيّ، لكن في الواقع، أنت تدفع الكثير من بياناتك الشخصية لاستخدامها. فبالإضافة لكل البيانات الشخصية التي تجمعها غوغل عنك من باقي تطبيقاتها وخدماتها، تجمع خرائط غوغل بيانات موقعك الجغرافي عنك حتى عند عدم استخدامك للتطبيق، وتستفيد منها مع باقي بياناتك لدى غوغل لتعلن لك عن الأماكن التجارية، مثل المطاعم، التي تدفع لها المال مقابل ذلك.

ونعم، يمكنك المساهمة في خرائط غوغل. لكن على عكس خريطة الشارع المفتوحة، والتي —كما هو واضح من اسمها— مفتوحة للاستخدام الحُرّ، غوغل هي من تملك حقوق البيانات الجغرافية على منصتها. حتى لو أنت من ساهم بهذه البيانات، لن تتمكن من استخدامها في حال أردت الاستفادة منها في مشروع ما على سبيل المثال، ﻷنها أصبحت مِلكًا لغوغل، وسيتعيّن عليك الدفع مقابل استخدام خدمة واجهة برمجة التطبيقات (API) الخاصة بخرائط غوغل.

خرائط غوغل هدفها الرئيسي الاستفادة المادية من المعلنين أو من واجهة برمجة التطبيقات، لذلك لن تجد في خريطتها بيانات دقيقة أو مفصّلة في المناطق البعيدة عن الأماكن التجارية، ﻷنها لن تستفيد منها ماديًّا.

من مشاكل المساهمة في خرائط غوغل أيضًا هي أنّ مساهماتك لن تُرفع إلا بعد مراجعتها وقبولها من قِبل غوغل. وهو ما يجعل بيانات خرائط غوغل متأخرة عن بيانات خريطة الشارع المفتوحة، خصوصًا في الأماكن غير الحيوية أو في المناطق التي تم تشييدها حديثًا.

هذه مقارنة بين خريطة الشارع المفتوحة وخرائط غوغل لمنطقة العاصمة الإدارية الجديدة في مصر:

العاصمة الإدارية الجديدة المصرية كما تظهر على خرائط غوغل

(خرائط غوغل)

 

العاصمة الإدارية الجديدة كما تظر على خريطة السارع المفتوحة

(خريطة الشارع المفتوحة)

 

خريطة الشارع المفتوحة ليست كاملة أو خالية من العيوب، فأول شيء قد تلاحظه هي قلّة التواجد للأماكن التجارية عليها مقارنة بخرائط غوغل. وبسبب شعبية هذه الأخيرة، تتجه الأماكن التجارية ﻹدراج نفسها ومعلومات الاتصال الخاصة بها في خرائط غوغل للوصول ﻷكبر عدد ممكن من الزبائن، ولا مانع من الدفع قليلًا لتظهر في أعلى نتائج البحث.

لكن خريطة الشارع المفتوحة تعطيك أهم شيء، وهي الحريّة. مكان مفقود؟ بادر بإضافته للخريطة. وجدت خطأ؟ صحّحه أو اترك عنده علامة ليصحّحه غيرك. تريد تطوير منتج باستخدام البيانات الجغرافية؟ ستجد البيانات متاحة.

كي تبدأ استخدام خريطة الشارع المفتوحة، يمكنك تصفح الخريطة من موقعها الرسمي، وتعديلها من إن أردت من محرر الويب بعد إنشائك حساب. يمكنك أيضًا استخدامها على هاتفك. بالنسبة لي، فإني أوصي بـ Organic Maps الذي أستخدمه بشكل يومي للتنقل. أما للمساهمة من الهاتف أوصي بـ StreetComplete الذي يسهّل عملية إضافة البيانات الوصفية للخريطة، و Every Door ﻹضافة الأماكن التجارية مع بياناتها لخريطة الشارع المفتوحة.

الهدف من هذا المقال ليس ﻷقول لك استعمل هذا واترك ذاك، أو هذا جيد وذاك سيء، بل لتسليط الضوء على أن هناك بديلًا، ودعوة عامة للمساهمة فيه. البيانات الجغرافية يجب أن تكون مفتوحة للعامّة، لا أن تكون ملكًا لشركة واحدة تتصرف بها كيف تشاء بما يتناسب مع أهدافها الربحية أو إرضاءً للحكومات. مساهمتك في خريطة الشارع المفتوحة —حتى لو لم تكن تريد استخدامها بنفسك— ما هي إلا مساعدة لتحسينها كي تصبح لدينا الحرية في اختيار بديل عن الاحتكاري.