قبل عقدٍ من الزمن، بعدما أدركَ معظم مستخدمي الإنترنت أن شركات التكنولوجيا تتتبَّع بياناتهم وتُخزِّنها، كَتبتُ تدوينة عن خطواتٍ بسيطة قد يتَّبِعها المُستخدِم ليُحسِّن من خصوصيته على الإنترنت.
احتوت التدوينة على بعض التوصيات التي قد تساعد المُستخدِمين على أن يُخفِّضوا من أثرهم الإلكتروني دون جهدٍ جهيد. وكان التركيز في التدوينة على سهولة التطبيق ولم يكن الهدف أن تُخفي الخطوات أثر المستخدمين بالكامل على الإنترنت. إذا تطلَّب وضعك الشخصي المزيد من الحماية، فهنالك المزيد من الجوانب التي يتحتّم عليك أن تأخذها بعين الاعتبار، وهي خارجة عن النطاق البحثي لتلك التدوينة.
الجمهور الذي استهدفتُه كان الإنسان العادي الذي لا يرغب بأن تتجسَّس عليه الشركات. خصوصًا تلك الشركات التجارية التي لا يهمُّها سوى عرض الإعلانات، وبيع المنتجات، أو استغلال عاداتك ضدّك.
كانت عشر سنوات كفيلة بتغيير أشياء كثيرة، لكن ظلَّت بعض الأمور على حالها. وبناءً على ذلك، أعتقد أن الوقت قد حان لتحديث اقتراحاتي، مع التأكيد على أن تنفيذها لا يتطلَّب أي معرفة تقنية متخصِّصة، وأن نصفَ ساعةٍ هي مدة كافية لتطبيقها.
١. اختر متصفِّحًا خلوقًا
بالنسبة للمُستخدِم العادي يجلس أمام أي حاسوب أو نظام تشغيل، هناك نافذة واحدة نحو العالم الخارجي وهي: المُتصفِّح. أصبح وجود هذا التطبيق أمرًا بالغ الأهمية.
ما زلت أثق بصحّة اقتراحي الأصلي؛ عليك أن تُثبِّت وأن تَستخدِم «فايرفوكس».
هناك متصفِّحات أخرى قد تؤدي الغرض مثل «بريڤ» أو «سفاري»، لكنني ما زلت أُفضِّل مُتصفِّح «موزيلا».
ومهما كان خيارك، أنصحك بأن تتجنَّب المُتصفِّحَين «غوغل كروم» و«مايكروسوفت إيدج». إذا أردتَ مقارنة مفصَّلة ما بين المُتصفِّحات، فيمكنك الاطلاع على هذا الموقع.
المدة المتوقعة لتطبيق هذه الخطوة: ٥ دقائق
٢. ثبِّت الإضافات الضرورية
على الرغم من أن الإعدادات التلقائية لأفضل المُتصفِّحات تأتي مزوَّدة بعدة أدوات حماية مُفعَّلة مسبقًا، إلا أنها ليست كافية وافية لسوء الحظ. لذا لو أردت أن تُحصِّن المُتصفِّح بسرعة، لا بد من أن تستخدم هاتين الإضافتين (Extensions):
تَحجِب هاتان الإضافتان أغلب برمجيِّات التتبُّع، وتحوْلان دون تسريب بياناتك الخاصة إلى جهات خارجية، وهما موجودتان في عدد هائل من المواقع الإلكترونية. كما تساعدان في حجب الإعلانات وغيرها من المحتوى المزعج الذي يبطئ من سرعة الإنترنت ويبدد حزم البيانات هباءً.
المدة المتوقعة لتطبيق هذه الخطوة: دقيقتان
٣. عطِّل أي ميزة تجمع البيانات
يُعَدّ هذا الجانب إشكاليًا لا سيما لمستخدمي نظام «ويندوز» من شركة «مايكروسوفت»، وللأسف، لقد شاعت هذه الممارسة بين باعة البرمجيِّات.
خدعوك فقالوا أنّ البيانات التي تُجمَع لا ترتبط بهويتك، وأنها تُستخدَم فقط لتحسين المنتجات والخدمات. لكن في الواقع، نادرًا ما تكون هذه البيانات مجهولة المصدر بالكامل، وغالبًا ما تتعدّى الأهدافُ من جمعها الأهدافَ المصرّح بها في بادئ الأمر.
في الوقت الحالي، أصبح «ويندوز» آلةً ضخمة لجمع البيانات، لذا من الأفضل أن تُقلِّل من أضراره عبر تعطيل أكبر قدر ممكن من إعداداته وميزاته. إذا كان هذا هو نظام تشغيلك، ستجد هنا شرحًا مفصَّلًا عن أهم الإعدادات التي يُنصَح بإيقافها (ملاحظة: من الأفضل أن تقيِّم بنفسك ما إن كانت الخطوات الثلاث الأخيرة تناسب احتياجاتك).
أمّا إذا كنت تَستخدِم نظام تشغيل آخر، فيُنصَح بإجراء بحث بسيط حول نوعية البيانات التي يجمعها المطوِّر.
بعد ذلك، انتقِل إلى المُتصفِّح ونفّذ ذات الأمر. في حالة «فايرفوكس» عليك بإلصاق الجملة التالية في شريط العنوان: about:preferences#privacy
ثم ابحث عن قسم جمع البيانات واستخداماتها (Firefox Data Collection and Use)، وعطِّل جميع الخيارات المدرجة تحته.
المدة المتوقعة لتطبيق هذه الخطوة: من دقيقتين إلى ٨ دقائق
٤. بدِّل نظام اسم النطاق بخدمة أكثر أمانًا
قد يبدو هذا الاقتراح معقَّدًا بعض الشيء، لكنه مهم بما يكفي لأن أُدرِجه في هذا الدليل مع أنه يغطي الأساسيات فقط.
نظريًّا، بعدما نفَّذتَ الخطوتين الثانية والثالثة، أصبحتَ مُحصَّنًا من أغلب أنواع التتبُّع. ومع ذلك، تبقى هناك ثغرتان كبيرتان:
هل أنت واثق من أن نظام التشغيل يلتزم فعلًا بالإعدادات التي اخترتها؟
يوفّر المُتصفِّح حماية جيدة ضد أدوات التتبّع، لكن ماذا عن باقي التطبيقات المثبَّتة على جهازك؟ هل تتجسَّس على بياناتك؟
ولردم هاتين الثغرتين، ما عليك سوى أن تختار نظام اسم نطاق (DNS) يحظر المواقع التي تتعقَّب نشاطك. من الأمثلة على هذه الأنظمة: Mullvad DNS وNextDNS، وغيرها.
تغيير نظام اسم النطاق لا يُحصّن الحاسوب فحسب، بل يساعدك كذلك في منع التتبُّع على أجهزة أخرى يصعب التحكم بها، مثل الهاتف أو التلفاز.
توفِّر الروابط المُرفَقة شروحات مفصلة حول طريقة تنفيذ هذه الخطوة.
المدة المتوقعة لتطبيق هذه الخطوة: من ٤ إلى ١٠ دقائق
٥. افصِل أنشطتك عن بعضها
ترتبط هذه الخطوة بعادات التصفُّح والسلوك اليومي على الإنترنت، ولا تتطرَّق إلى أدوات عليك أن تثبتها أو تغيير إعدادها.
الهدف هنا هو محو أي بيانات تَحتفِظ بها المواقع لأغراض التتبُّع من موقع لآخر وعلى مر الزمن.
يُفضَّل أن تضبط المُتصفِّح ليحذف جميع ملفات تعريف الارتباط (Cookies) وبيانات المواقع عند نهاية كل جلسة، والمقصود بذلك: عندما تغلق المُتصفِّح.
في «فايرفوكس»، توجَّه مرة أخرى إلى about:preferences#privacy
(عبر شريط العنوان) ثم ابحث عن قسم”Cookies and Site Data“، وفعِّل الخيار: ”Delete cookies and site data when Firefox is closed“
لكن قد يسبِّب هذا الخيار بعض الإزعاج أحيانًا، لأنه يُلزِمك بالولوج إلى المواقع والتطبيقات يدويًّا كل مرة. إذا أردت حلّاً أكثر مرونة، استخدم إضافة ”Multi-Account Containers“، التي تُقسِّم أنشطتك إلى مساحات معزولة وبذلك تقلِّل من قدرة المواقع على التتبُّع.
المدة المتوقعة لتطبيق هذه الخطوة: ٣ دقائق
٦. (خلّيك مع الّي بيحميك)
معظم الخدمات الإلكترونية الشائعة التي يستخدمها الناس تبذل جهدًا هائلًا لتتبُّع نشاطك على الإنترنت، بل إنّ هذا هو نموذج العمل الأساسي لها في الغالب.
ولحسن الحظ هناك بدائل جاهزة لهذه الأدوات المشهورة، وهي تؤدّي نفس الغرض بل وتتفوق أيضًا في احترام خصوصيتك.
- محرك البحث: استخدم «دَك دَك غو» أو محرِّك بحث «بريڤ»، وتجنَّب «غوغل» و«بينغ».
- الخرائط: استخدم «خرائط الشارع المفتوحة» (OpenStreetMap)، وتجنَّب «خرائط غوغل».
- حزم البرمجيّات المكتبية: استخدم «كريبتو باد»، وتجنّب «أوفيس ٣٦٥» و«مستندات غوغل».
- مكالمات الفيديو: استخدم «جِتسي»، وتجنَّب «زووم».
الأمثلة السابقة لا تغطّي كل البدائل الممكنة، لذا اختر ما يناسب احتياجاتك. قد تبدو هذه البدائل غير مألوفة في البداية، لكنك ستعتاد عليها سريعًا، وقد تكتشف لاحقًا أن لها الأفضلية على الأدوات التقليدية في عدة جوانب.
المدة المتوقعة لتطبيق هذه الخطوة: من ٣ إلى ٥ دقائق
٧. تبنَّ عادات أفضل
لقد تَعدَّيتُ مدة تطبيق النصائح في هذه التدوينة ببضع دقائق. لكن، لنكن صادقين، لم تَعُد حماية الخصوصية أمرًا سهلًا في يومنا هذا.
أخيرًا أوصيك بتوخيّ الحذر بشأن المعلومات التي تشاركها، وأن تستفيد من القوانين الرادعة مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) لمحاسبة أي جهة تتجاوز حدودها.
إليك بعض النصائح كي تكتمل الصورة:
لا تُقدِّم بياناتك الشخصية لمجرد أنها طُلِبَت منك (أدخِل معلومات عشوائية إن اعتقدت أن إدخال البيانات الحقيقيّة ليس ضروريًّا).
ارفُض ملفات تعريف الارتباط دائمًا وعطِّل خاصية جمع البيانات عندما تظهر تلك النوافذ المزعجة. ابحث عن زر ”رفض الكل“، فعادةً ما يكون مخفيًا!
في حال لم تظهر لك إعدادات الخصوصية تلقائيًا، توجَّه بنفسك إلى إعدادات الحساب وأوقف كل عمليات جمع البيانات.
استخدم هويات وهمية أو حسابات مزيَّفة عند الحاجة.
إذا طُلِب منك الكثير من المعلومات دون مبرِّر واضح، ابحث عن بدائل.
رسالتي الأساسية لك، كُن حذرًا وصارمًا في كل ما تشاركه من معلومات على الإنترنت.
الخاتمة
بوُصولِك إلى هذه النقطة، تكون قد قطعت شوطًا جيدًا. لكن يجدر الذكر بأن ما أوردته من خطوات في هذه المقالة هي الحد الأدنى فقط، وقد ركَّزتُ على ما يمكنك أن تُنفَّذه على جهازك الشخصي، رغم أن بعض هذه الاقتراحات تنطبق أيضًا على أجهزة أخرى (مثل الهاتف أو الحاسوب اللوحي أو غيرهما).
قد تعمَّدتُ ألّا اقتَرِح أدوات أو خدمات قد تتطلَّب دفع مبلغ ماليّ، ولكن قد تضطرك بعض الاحتياجات إلى انتقاء خيارات غير مجّانية.
في الوقت الراهِن، إنّه لأمر صعب ألّا نتعرَّض للمُراقَبة من ”ألف شركة وشركة“، خصوصًا ونحن نحمل أجهزة تعقُّب في جيوبنا، أو نرتديها على مِعصمنا، أو نستَخدِمها لأغراض التنقُّل.
وإن كنت ترغب في أن تتعمَّق في موضوع الخصوصية، فهناك العديد من المصادر المتوفِّرة على الإنترنت تقدِّم أدِلّة مفصَّلة لاتخاذ خطوات إضافية للحماية. انظر موقع «Privacy Guides».
وسأختتِم هذه التدوينة بسؤال (لعلّي أتعلَّم شيئًا جديدًا أيضًا)، هل كنت ستَقتَرِح تنفيذ أي أمر بشكل مختلف؟ هل كنت لتُضيف أو تَحذِف أو تَستبدِل أيّ من هذه الاقتراحات؟ (لا تنسَ أن تلتزم بقاعدة الثلاثين دقيقة).